جاء إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، اختيار السيناتور ماركو لتولي حقيبة الخارجية الأمريكية في إدارته ليشكِّل علامة على التوجه المتشدد للإدارة الجمهورية المقبلة، لكن ما زال من المبكر تأكيد هذا التعيين قبل إقرار مجلس الشيوخ له.
يتمتع روبيو بعضوية مجلس الشيوخ، ويشارك في لجنة العلاقات الخارجية ولجنة الاستخبارات، وسوف يتولى وزارة الخارجية في وقت تمر به العلاقات مع الصين وروسيا بتوترات كبيرة، إلى جانب اشتعال المواجهات العسكرية في المنطقة العربية وسط عدوان إسرائيلي متزايد بدعم من إدارة الرئيس الديمقراطي الحالي، جو بايدن.
وكان روبيو صريحاً بشأن الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، فهو من أشد الداعمين لإسرائيل، ففي أعقاب هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، قال روبيو على موقع X (تويتر سابقاً) إن إسرائيل: «ليس لديها خيار سوى السعي إلى القضاء الكامل على حماس في غزة … ودور أمريكا هو إعادة تزويد إسرائيل بالمواد العسكرية التي تحتاجها لإتمام هذه المهمة»، داعياً إلى استمرار الدعم للاحتلال.
وأضاف: «هذا الجهد الضروري المأساوي سيأتي بثمن مروع … ثمن الفشل في القضاء بشكل دائم على هذه المجموعة من المتوحشين الساديين هو أكثر رعباً».
كما غرد أيضاً قائلاً إن: «حماس هي منظمة إرهابية أُنشئت لغرض صريح وواضح، وهو طرد كل يهودي من المنطقة والاستبدال بإسرائيل دولةً فلسطينية إسلامية أصولية تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. ليس أمام إسرائيل خيار سوى القضاء على حماس».
ومن المرجح أن يطمئن اختياره إسرائيل والجمهوريين التقليديين، ويؤكد لهم أن ترامب ينوي الحفاظ على دعمه القوي لإسرائيل في فترة ولايته الثانية، ورحب التحالف اليهودي الجمهوري بترشيح روبيو المحتمل عندما أُعلِن عنه لأول مرة، وقال التحالف في بيان: «في هذه الأوقات الخطيرة للغاية، يعد السيناتور روبيو مدافعاً صريحاً عن إسرائيل، وكان دائماً يساند الدولة اليهودية».
سبق أن ترشح روبيو للرئاسة في عام 2016 باعتباره صقراً في السياسة الخارجية، وانتقد ترامب آنذاك لتعهده بالحياد بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، خفَّف من آرائه، واصطف بشكل أوثق مع أجندة ترامب الشعبوية، وفي مقابلة أجريت معه في وقت سابق من هذا العام، قال روبيو إن سياسته الخارجية تطورت، حيث «يبدو العالم مختلفاً عما كان عليه قبل خمسة أو عشرة أو خمسة عشر عاماً».
وبصفته نائباً لرئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، زار إسرائيل في أبريل، كما شارك في نوفمبر 2023 في استضافة عرض لأعضاء الكونجرس من الحزبين لفيلم عن عنف هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر العام الماضي.
وعندما شن جيش الاحتلال الإسرائيلي العملية البرية في رفح، عارضتها إدارة الرئيس بايدن، لكن روبيو أيدها وشبهها بملاحقة الحلفاء لهتلر في الحرب العالمية الثانية.
وفي مقطع فيديو نشرته منظمة كود بينك، في وقت سابق من هذا العام، قال روبيو إنه يتوقع من إسرائيل «تدمير كل عنصر من عناصر حماس».
ويؤيد روبيو خطة ترامب لترحيل الطلاب الجامعيين الأجانب الذين يشاركون في الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وفي أبريل دعا إلى معاقبة مؤيدي حركة مقاطعة إسرائيل.
وفي الخريف الماضي، ومع انتشار المحتوى المعادي للاحتلال الإسرائيلي على تطبيق تيك توك، غرد روبيو قائلاً: «تيك توك أداة تستخدمها الصين لنشر الدعاية بين الأمريكيين، والآن تُستخدم للتقليل من شأن إرهاب حماس».
انضم روبيو للحملة الانتخابية لترامب هذا الخريف للمساعدة في جذب الناخبين من أصول لاتينية، فهو ابن مهاجرين كوبيين، وُلِد في ميامي، لأب يعمل نادلاً في أحد البارات، وأم عاملة في فندق، وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، ذكَّر الناخبين مراراً وتكراراً بخلفيته من الطبقة العاملة وقصته الاستثنائية باعتباره ابناً لمهاجرين كوبيين أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ورغم أنه عُمِّد في صغره كاثوليكياً، لكنه انضم لعدة سنوات لكنيسة المورمون، وفي الثامنة من عمره انتقلت أسرته إلى لاس فيجاس، حيث أمضى نحو ست سنوات من طفولته، ووجد والداه وظائف في الفنادق هناك، ثم عادوا إلى ميامي عندما كان عمره 14 عاماً.
عُرف بكونه من أبرز مشجعي كرة القدم، وكان يحلم باللعب في دوري كرة القدم الأمريكي عندما كان يلعب في المدرسة الثانوية، لكنه تعرض للإصابة فتخلَّى عن كرة القدم ودرس بكلية الحقوق بجامعة ميامي، وتزوَّج في عام 1998 وأنجب أربعة أطفال.
انتُخب روبيو لعضوية مجلس الشيوخ في فلوريدا عام 2010، وكان حينذاك مرشحاً ضعيفاً في مواجهة تشارلي كريست في الانتخابات، لكنه فاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، وأعيد انتخابه في عام 2016 ومرة أخرى في عام 2022.
وقد عمل روبيو سابقاً مستشاراً غير رسمي للسياسة الخارجية لترامب، حتى إنه ساعده في الاستعداد لمناظرته عام 2020 مع الرئيس جو بايدن، رغم أن الرجلين كانا يُعتبران في السابق منافسين في الانتخابات التمهيدية في فلوريدا عام 2016، وأثناء تلك الحملة، أطلق ترامب على روبيو لقب روبيو الصغير، فهاجمه روبيو بالتعليق على رجولته.
كان من المرشحين المتوقعين لمنصب نائب الرئيس مؤخراً، لكن ترامب تجاوزه واختار السيناتور جيه دي فانس، ومع ذلك ظل قريباً من ترامب وسافر معه خلال فعاليات الدعاية الانتخابية، وألقى تصريحات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.
نشأ روبيو في ميامي بين المنفيين الكوبيين الذين فروا من ثورة فيدل كاسترو الشيوعية، لذا يُعرف عنه أنه يكن كراهية عميقة للشيوعيين، ومن المتوقع أن يستحضر هذه الميول الأيديولوجية لإعادة تشكيل السياسة الأمريكية في أمريكا اللاتينية، فباعتباره أول وزير خارجية من أصل لاتيني، من المتوقع أن يولي روبيو اهتماماً كبيراً لما كان يشار إليه منذ فترة طويلة بازدراء الحديقة الخلفية لواشنطن.
اعتبر روبيو أرفع عضو جمهوري في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ وعضو قديم في لجنة العلاقات الخارجية، وقد استفاد من معرفته وعلاقاته الشخصية التي لا مثيل لها في قيادة السياسة الأمريكية في أمريكا اللاتينية.
فعلى مدى عقود من الزمان منذ نهاية الحرب الباردة، توارت أمريكا اللاتينية من أولويات أجندة السياسة الخارجية الأمريكية حتى مع نجاح خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا وإيران والصين بشكل خاص في تحقيق اختراقات عميقة، ومن المرجح أن ينهي روبيو هذا الإهمال.
لكن سمعته باعتباره صقر الأمن القومي، وتبنيه لخطة ترامب للترحيل الجماعي للمهاجرين، وخطابه الاستقطابي من المرجح أن ينفر حتى بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة غير الراغبين في الانسجام مع السياسة الخارجية للرئيس القادم، أمريكا أولاً، وهو معروف بكونه صقر السياسة الخارجية عندما يتعلق الأمر بالصين وإيران.
خلال الفترة الماضية كانت السياسة المتعلقة بأمريكا اللاتينية تُترك لصغار الدبلوماسيين، لكن روبيو يركز بقوة على المنطقة، مما يضطر الحكومات إلى أن تكون أكثر تعاوناً في علاقتها الأوسع مع الولايات المتحدة على الأرجح، وقد رفض روبيو التعليق على أهدافه في السياسة الخارجية.
بعد أن كان راعياً لفتح الباب للمهاجرين غير المسجلين وحصولهم على الجنسية الأمريكية، تحوَّل روبيو، ابن المهاجرين اللاتينيين، خلال إدارة ترامب الأولى إلى مؤيد مخلص لدعواته إلى زيادة أمن الحدود والترحيل الجماعي.
ولم يتحدث روبيو كثيراً عن الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، التي تولت منصبها الشهر الماضي، لكنه كان منتقداً شرساً لسلفها، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي تغيب عن قمة الأمريكيتين في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة عام 2022 لحضور تجمع لزعماء اليسار في كوبا، واتهمه روبيو بالاستسلام لعصابات المخدرات والعمل مدافعاً عن الاستبداد في كوبا وفنزويلا ونيكارجوا، ورد الرئيس المكسيكي على ذلك بوصف روبيو بأنه عنصري.
يقول كارلوس تروخيو، الصديق المقرب لروبيو والسفير الأمريكي السابق لدى منظمة الدول الأمريكية: «لا يوجد أحد في مجلس الشيوخ الأمريكي مثله في تقاربه وعمق معرفته بأمريكا اللاتينية، فهو لا يتمتع بعلاقات شخصية مع عشرات المسئولين فحسب، بعضهم منذ عقود من الزمان، بل إنه فحص كل سفير أمريكي تقريباً عُيِّن في المنطقة، وهذه ميزة كبيرة».
ومن بين حلفاء واشنطن اللاتينيين الذين يُتوقع أن ينسجموا في العمل مع روبيو، الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، المشهور بأسلوبه القتالي كزعيم يميني متطرف يشبه ترامب، وكذلك رئيس السلفادور ناييب بوكيلي، الذي أشاد روبيو بحملته ضد العصابات التي دفعت ملايين من المهاجرين السلفادوريين إلى حدود الولايات المتحدة.
ولم يتردد روبيو في انتقاد وإرهاب الزعماء اليساريين، ففي وقت سابق من هذا العام انتقد روبيو الرئيس التشيلي غابرييل بوريك، الذي ينتقد تصرفات إسرائيل في غزة، بزعم أنه يوفر ملاذاً آمناً لممولي حزب الله اللبناني، واصفاً إياه بأنه «أحد أبرز الأصوات المعادية لإسرائيل في أمريكا اللاتينية».
وقد حظي اختيار روبيو باستقبال إيجابي من جانب أعضاء الحزبين، فقد قال السيناتور جون فيترمان، وهو ديمقراطي من ولاية بنسلفانيا، إنه سيصوت لصالح تأكيد ترشيح روبيو، كما أشاد السيناتور ريك سكوت، الجمهوري من ولاية فلوريدا، بهذا الاختيار.
بعد اختيار ترامب السيناتور عن ولاية فلوريدا لمنصب وزير الخارجية، من المتوقع أن يعين حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتيس، وهو جمهوري، بديلاً مؤقتاً لروبيو في مجلس الشيوخ.
روبيو، الذي أعيد انتخابه لفترة ولايته الممتدة لست سنوات في عام 2022، كان يفترض أن يشغل مقعده حتى عام 2028، ومن المقرر أن يشغل البديل المعين منصبه حتى انتخابات خاصة في عام 2026 لإكمال العامين الأخيرين من فترة روبيو، مما يعني أن المعين يجب أن يفوز مرة أخرى في عام 2028 لضمان إتمام فترة الولاية كاملة.
ومن أبرز المرشحين لخلافة روبيو في مجلس الشيوخ، جانيت نونيز نائبة حاكم فلوريدا، وهي من أصل كوبي من ميامي، ويوفر تعيينها استمرارية للتمثيل الكوبي، ويمكن أن يعين حاكم فلوريدا نفسَه لخلافة روبيو في مقعد مجلس الشيوخ، مما يسمح لنونيز بالصعود إلى منصب الحاكم مباشرة.
وهناك حديث عن احتمال تعيين لارا ترامب، زوجة ابن الرئيس المنتخب، في مقعد روبيو في مجلس الشيوخ، ففي يوم الثلاثاء، نشرت ماي ماسك على منصة التواصل الاجتماعي X أن لارا ترامب يجب أن تكون بديلة روبيو، ووصفت مجلس الشيوخ بأنه أصبح نادياً لكبار السن، وأعاد إيلون ماسك نشر تغريدة والدته، وكتب أن «لارا ترامب عظيمة حقاً»، وبالنظر إلى قرب ماسك الشديد من ترامب فإن البعض تحدث عن خطة لتعيين لارا في هذا المنصب.